[i]"إن وراء الأَكَمَة ما وراءها"،مثلٌ عربي قديم يُضرب لمن يُفشي على نفسه أمرًا مستورًا، والأَكَمَة هي القفّ من حجارة واحدة وهو دون الجبل في ارتفاعه، وقيل: هو الموضع الذي هو أشدّ ارتفاعًا مما حوله، أو ما اجتمع من الحجارة في مكان واحد. أما قصّة المثل ،فتنسب إلى أَمَة واعدت صديقها أن تأتيه وراء أكمة إذا فرغت من مهنة أهلها، فبينما هي مأخوذة بخدمة أهلها إذ مسَّها شوق إلى موعدها، وطال عليها المُكْث وصخبت، فخرج منها الذي كانت لا تريد إظهاره، وقالت:"حبستموني ووراء الأكمة ما وراءها"! فذهبت مثلاً في إفشاء المرء على نفسه،أمرًا مستورًا.
هذا بخصوص الأكمة وما وراءها، أما انحناءة الرئيس،،الأمريكي باراك أوباما للعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز عند لقائه به على هامش قمة العشرين بلندن، فقد أخذت مأخذها من الحديث والتعليق، حتى شنَّ المحافظون اليمينيون حملةإعلامية مسعورة ضد الرئيس أوباما على هذه الطريقة في التحية، وحتى ظنَّ آخرون أن وراء هذه الانحناءة ما وراءها كما جاءفي المثل السابق..
فما الذي كان وراء انحناءة الرئيس الأمريكي باراك أوباما غير التقليدية للعاهل السعودي الملك عبد الله بن بن عبد العزيز بما كان لافتًا للانتباه إلى هذه الدرجة، وبما أثار ضجة صحفية واسعة يوم الجمعة 3/ 4/ 2009، في الصحف الأوروبية؟ وما سرّ هذه الانحناءة في التحية التي لم يقم بها أوباما مع أي شخصية أخرى قابلها على هامش القمة، بما في ذلك ملكة بريطانيا؟ وهل يمكن أن تكون مجرد تحيةتعظيمٍ وإكبار وإجلال؟ وإلام ترمي هذه الانحناءة في أبلغ مقاصدها؟
والانحناء أولاً هو لونٌ من ألوان التحية عند اللقاء، لا يعني الخضوع أو الاستسلام،ويُقصَد به تعظيم الشخص المُقابَل وتوقيره، وهذا اللون من التحية يكثر مع الملوك والسّلاطين، كما يكثر من المتواضعين منهم، وفي مثل ذلك كان حديث خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه: "تَطَأْطَأْت لكم تَطَأْطُؤَ الدُّلاةِ (جمع دال وهوالذي ينزع بالدلو) وتواضعت لكم وانحَنَيْتُ..".
على أن انحناءة أوباما حملها معارضوه على أنها نوع من الاستسلام والخضوع، وأنها أظهرت الرئيس الأمريكي على أنه الأقل مستوى من ملك السعودية في تفسير لا يخلو من عنصرية ونظرة فوقية، فضلاً عن إثارتهم نقطة ما فتئت تطفو على السطح عند كل مناسبة، وهي حقيقة علاقة أوباما بالإسلام، خاصة وأن أوباما كان قد عيَّن مسلمين بالبيت الأبيض.
وغير هذه التفسيرات من قِبل معارضي أوباما من المحافظين اليمينيين وغيرهم، فإن هناك تفسيرات أخرى ما زالت تدور بالرؤوس وتصلح لأن،،تكون هي التي وراء الأكَمَة، وخاصة إذا وقفنا على العلاقةالإستراتيجية الجديدة للرئيس أوباما في علاقاته الخارجية، وإذا علمنا أيضًا حجم الدور السعودي وتأثيره في معالجة الأزمة الاقتصادية العالمية.
فيمكن إذن استعراض بعض التفسيرات لانحناءة أوباما تحية للملك عبد الله،،فيما يلي:
1- حرص أوباما على تنفيذ تعهده بفتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي، حيث قال منذ أول يوم لتنصيبه: "بالنسبة للعالم الإسلامي.. نسعى لنهج جديد للمضي قدمًا استنادًا إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل".
2- إستراتيجية جديدة تعكس حرص أوباما كذلك على تحسين صورة أمريكا المطبوعة في أذهان المسلمين عن أمريكا منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 والتي قامت الولايات المتحدة على إثرها بغزو كل من أفغانستان والعراق، كما ساءت علاقتها بدول إسلامية أخرى كثيرة مثل سوريا وإيران والسودان وغيرها، بدعوى دعم الإرهاب، مما خلَّفت غضبًا إسلاميًا عارمًا.
3- نوعٌ جديد من معاملة الحكام العرب لم يعهدوه من قِبل الرئاسة الأمريكيةمن قَبل، وهو على الأقل يطمئنهم بعدم خلعهم أو حصارهم أو ملاحقتهم، ويشهد لذلك تلميح الإدارة الأمريكية مؤخرًا بعدم ملاحقة الرئيس البشيربعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه.
4- حاجة أمريكا - التي بات اقتصادها يترنح، والذي بدت عليه بوادر وعلامات الاحتضار بعد الأزمة الاقتصادية العالمية - إلى دول غنية تضخ وتساعد في إنعاش الاقتصاد العالمي.
5- اعتراف بالجميل على ما قامت به السعودية في قمة العشرين من الدعم،،المالي الكبير لصندوق النقد الدولي، والذي قُدِّر – كما تداولت ذلك بعض وكالات الأنباء العالمية - بنحو 90 مليار دولار.
6- تعبير عن تقديرٍ عظيمٍ للإسلام والمسلين في شخص خادم الحرمين الشريفين ورئيس الدولة التي فيها الكعبة المشرفة قِبلة المسلمين.
7- سمة التدين والتواضع في شخصية أوباما، وعلى ما يبدو فإن أوباما نظر إلى ملك السعودية نظرة المسيحي إلى البابا.
8- وهو أخيرًا احترام وتقديرلشخص الملك عبد الله في،،لقائهما الأول، وتجسيد للمكانة الرفيعة التي يحتلهاملك السعودية على الصعيد العالمي، وإبراز لجهده المتواصل على كل الأصعدة؛ الإنسانية والسياسية والاقتصادية، وذلك مما لا يثمِّنه أوباما وحده.وتلخيصًا وإجمالاً فإن عبقرية الرئيس باراك أوباما القيادية قد تجلت في إيجاد الفهم الصحيح للعلاقة بين الانحناء ورفع الرأس، واختيار التوقيت المناسب الذي يهيمن فيه أحدهما على ساحة الفعل، بما يفوِّت عليه مستقبلاً انحناءة يُجبر عليها، كتلك التي أُجبر عليهاالرئيس بوش السابق تلافيًا حذاء الصحفي العراقي منتظر الزيدي!
نبذة عن الكاتب:
الأستاذ : مجدي محمود خضر.- باحث دكتوراه في مجال الفكر الإسلامي.
هذا بخصوص الأكمة وما وراءها، أما انحناءة الرئيس،،الأمريكي باراك أوباما للعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز عند لقائه به على هامش قمة العشرين بلندن، فقد أخذت مأخذها من الحديث والتعليق، حتى شنَّ المحافظون اليمينيون حملةإعلامية مسعورة ضد الرئيس أوباما على هذه الطريقة في التحية، وحتى ظنَّ آخرون أن وراء هذه الانحناءة ما وراءها كما جاءفي المثل السابق..
فما الذي كان وراء انحناءة الرئيس الأمريكي باراك أوباما غير التقليدية للعاهل السعودي الملك عبد الله بن بن عبد العزيز بما كان لافتًا للانتباه إلى هذه الدرجة، وبما أثار ضجة صحفية واسعة يوم الجمعة 3/ 4/ 2009، في الصحف الأوروبية؟ وما سرّ هذه الانحناءة في التحية التي لم يقم بها أوباما مع أي شخصية أخرى قابلها على هامش القمة، بما في ذلك ملكة بريطانيا؟ وهل يمكن أن تكون مجرد تحيةتعظيمٍ وإكبار وإجلال؟ وإلام ترمي هذه الانحناءة في أبلغ مقاصدها؟
والانحناء أولاً هو لونٌ من ألوان التحية عند اللقاء، لا يعني الخضوع أو الاستسلام،ويُقصَد به تعظيم الشخص المُقابَل وتوقيره، وهذا اللون من التحية يكثر مع الملوك والسّلاطين، كما يكثر من المتواضعين منهم، وفي مثل ذلك كان حديث خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه: "تَطَأْطَأْت لكم تَطَأْطُؤَ الدُّلاةِ (جمع دال وهوالذي ينزع بالدلو) وتواضعت لكم وانحَنَيْتُ..".
على أن انحناءة أوباما حملها معارضوه على أنها نوع من الاستسلام والخضوع، وأنها أظهرت الرئيس الأمريكي على أنه الأقل مستوى من ملك السعودية في تفسير لا يخلو من عنصرية ونظرة فوقية، فضلاً عن إثارتهم نقطة ما فتئت تطفو على السطح عند كل مناسبة، وهي حقيقة علاقة أوباما بالإسلام، خاصة وأن أوباما كان قد عيَّن مسلمين بالبيت الأبيض.
وغير هذه التفسيرات من قِبل معارضي أوباما من المحافظين اليمينيين وغيرهم، فإن هناك تفسيرات أخرى ما زالت تدور بالرؤوس وتصلح لأن،،تكون هي التي وراء الأكَمَة، وخاصة إذا وقفنا على العلاقةالإستراتيجية الجديدة للرئيس أوباما في علاقاته الخارجية، وإذا علمنا أيضًا حجم الدور السعودي وتأثيره في معالجة الأزمة الاقتصادية العالمية.
فيمكن إذن استعراض بعض التفسيرات لانحناءة أوباما تحية للملك عبد الله،،فيما يلي:
1- حرص أوباما على تنفيذ تعهده بفتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي، حيث قال منذ أول يوم لتنصيبه: "بالنسبة للعالم الإسلامي.. نسعى لنهج جديد للمضي قدمًا استنادًا إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل".
2- إستراتيجية جديدة تعكس حرص أوباما كذلك على تحسين صورة أمريكا المطبوعة في أذهان المسلمين عن أمريكا منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 والتي قامت الولايات المتحدة على إثرها بغزو كل من أفغانستان والعراق، كما ساءت علاقتها بدول إسلامية أخرى كثيرة مثل سوريا وإيران والسودان وغيرها، بدعوى دعم الإرهاب، مما خلَّفت غضبًا إسلاميًا عارمًا.
3- نوعٌ جديد من معاملة الحكام العرب لم يعهدوه من قِبل الرئاسة الأمريكيةمن قَبل، وهو على الأقل يطمئنهم بعدم خلعهم أو حصارهم أو ملاحقتهم، ويشهد لذلك تلميح الإدارة الأمريكية مؤخرًا بعدم ملاحقة الرئيس البشيربعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه.
4- حاجة أمريكا - التي بات اقتصادها يترنح، والذي بدت عليه بوادر وعلامات الاحتضار بعد الأزمة الاقتصادية العالمية - إلى دول غنية تضخ وتساعد في إنعاش الاقتصاد العالمي.
5- اعتراف بالجميل على ما قامت به السعودية في قمة العشرين من الدعم،،المالي الكبير لصندوق النقد الدولي، والذي قُدِّر – كما تداولت ذلك بعض وكالات الأنباء العالمية - بنحو 90 مليار دولار.
6- تعبير عن تقديرٍ عظيمٍ للإسلام والمسلين في شخص خادم الحرمين الشريفين ورئيس الدولة التي فيها الكعبة المشرفة قِبلة المسلمين.
7- سمة التدين والتواضع في شخصية أوباما، وعلى ما يبدو فإن أوباما نظر إلى ملك السعودية نظرة المسيحي إلى البابا.
8- وهو أخيرًا احترام وتقديرلشخص الملك عبد الله في،،لقائهما الأول، وتجسيد للمكانة الرفيعة التي يحتلهاملك السعودية على الصعيد العالمي، وإبراز لجهده المتواصل على كل الأصعدة؛ الإنسانية والسياسية والاقتصادية، وذلك مما لا يثمِّنه أوباما وحده.وتلخيصًا وإجمالاً فإن عبقرية الرئيس باراك أوباما القيادية قد تجلت في إيجاد الفهم الصحيح للعلاقة بين الانحناء ورفع الرأس، واختيار التوقيت المناسب الذي يهيمن فيه أحدهما على ساحة الفعل، بما يفوِّت عليه مستقبلاً انحناءة يُجبر عليها، كتلك التي أُجبر عليهاالرئيس بوش السابق تلافيًا حذاء الصحفي العراقي منتظر الزيدي!
نبذة عن الكاتب:
الأستاذ : مجدي محمود خضر.- باحث دكتوراه في مجال الفكر الإسلامي.
الأربعاء مايو 01, 2013 1:51 pm من طرف mesc
» 7 نصائح تطور علاقتك بطفلك
الأربعاء مايو 01, 2013 1:50 pm من طرف mesc
» استانس وارتاح
السبت فبراير 02, 2013 5:35 pm من طرف Admin
» أقرءها للنهاية
الخميس يناير 24, 2013 5:17 pm من طرف غطرسه
» ما احتاج فهمه كي اعيش (2)
السبت يناير 12, 2013 3:21 pm من طرف فتى قريش
» بقلمي المتواضع
الجمعة يناير 11, 2013 4:55 am من طرف غطرسه
» المجموعه الأولى
الأربعاء يناير 09, 2013 1:46 pm من طرف فتى قريش
» وقفة تأمل......
الأربعاء يناير 09, 2013 12:51 pm من طرف فتى قريش
» المجموعة الأولى
الأربعاء يناير 09, 2013 12:17 pm من طرف فتى قريش