- ثواب العمل الصالح -
المشهد الأول :
انتصف النهار ، واشتدّت حرارة الشمس ، كان الهواء ساكناً سكوناً عجيباً غابت فيه النسمة ، فازدادت مشقة الطريق ، كان وحده يمشي ، يتقاطر جبينه عرقاً ، وينبثق من مسام جلده ، فتمتصه ثيابه حتى بدت مبللة تكاد تُعصر...
شعر بالعطش الشديد ، ولكن أين الماء ؟ لم يبق معه منه شيء... حرّك قِربته ، فلم يسمع ارتطام الماء فيها ، وضع فوّهتها على فيه فلم تبِضّ بقطرة ... بدا لعابه يقِل ، وفمه يجف ، وشفتاه تتشققان...
بحث حوله فهُيّئ له أن رأى ماءً ... فلما قصده لقيه سراباً .. بدأت عيناه تريه كل شيء أمامه أنهاراً سَرعان ما تتبخر حين يُسرع إليها ... سأل الله حُسْن الختام ... وحين كاد يسقط على الأرض رأى على مدىً قصير منه حافة بئر ... يا ألله ؛ أحقاً ما يراه أم هو يتخيّل ؟
شد عزمه ، وبادر بخطاً ثقيلة نحوه... وصله وأطلّ عليه فرأى صورته . ورمى فيه حجراً فأسمعه صوت ارتطامه بالماء ... نزل وشعر بالبرودة تدغدغ جسمه ... لقد وصل إلى الماء ... ووضع فمه على صفحته ، وعبّ منه كثيراً حتى ارتوى ...
لم يشعر بعد ذلك بشيء ... أمَرّ عليهوقتٌ طويل وهو نائم ؟ إنه لا يدري... لكنه أحسّ بالعافية تسري في بدنه ، لقد عادت إليه الحياة " وجعلنا من الماء كل شيء حيّ " .. وقبل أن يخرج من البئر شرب كثيراً حتى كاد الماء يخرج من عينيه وأذنيه وأصابع يديه !! لكنه كان قد رمى قربته فيالطريق فأضاع فائدة كبيرة .
لم يبتعد عن البئر كثيراً حين رأى كلباًيلهث ، يأكل الثرى من العطش ، إنه قرب الماء ، لكنْ لا يستطيع النزول إلى البئر . .. لقد بلغ العطشُ بالكلب مثل الذي كان بلغ منه ، فأخذته الرأفة ، وهمّ أن يسقيه ، فماذا يفعل ؟! إن الكلب لا يستطيع النزول إلى الماء ، وليس معه قربته أو إداوته ، ليس معه شيء يحمل فيه الماء ليسقي الكلب العطشان . يجب أن يسقيه ، فماذا يفعل ؟
هداه تفكيره بل هداه الله تعالى حين رأى رحمته بالحيوان إلى أن ينزل البئر ، فيخلع حذاءه ويملأه ماءً ويحمله بفمه ، ويصعد، فيسقي الكلب . ... أعاد ذلك مرات ، حتى رأى ذلك الحيوانَ الأعجم ينصرف عنه مبتعداًوينظر إليه نظرات ملؤها الاعتراف بالجميل والفضل والشكر الجزيل ... فقد أنقذه من الموت .
حمد الرجل ربه لنفسه ، وحمِده لهذا الحيوان ، ... ولم يكن الله سبحانه غافلاً عما فعله الرجل ، فأكرمه غاية الإكرام ، ورحمه واسع الرحمة ..
أتدرون كيف رحمه وكافأه؟ لقد أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن الله غفر له كل ذنوبه ، وأدخله الجنة دون حساب .
يا ألله ، يا ألله ، يا ألله ؛ أنت الرحمنالرحيم .. اغفر لنا ذنوبنا ، وعافنا واعف عنا . يـــارب .
متفق عليه
المشهد الثاني :
إنه مسلم يحب الخير لإخوانه في العقيدة ، ويرجو لهم السلامة ، ويسألالله من كل قلبه أن يحيا المسلمونفي أمن وأمان ، لا يعكر صفوَهم كدرٌ ، ولا يَشوب حياتهم شائبةٌ ، فالمجتمع المسلم حين يكون متحابّاً متآلفاً ولُحمة واحدةً يكون قوياً متماسكاً ...
لقد رآه الرسول صلى الله عليه وسلمفي الجنة ، ولمّا يعملْ بعدُ العملَ الذي يؤهلُه أن يكون هناك في رَبَضِها ، وفي رحمة الله وفضله ، ينعم فيها بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلب بشر .
بلى إن الله تعالى يُدخل المسلم الجنة على عمله الخالص ولو كان قليلاً ، بل إنه يدخله الجنة على نيّتة الخالصة الصادقة ، ولمّا يعملْ بها .
وكانت نيّة هذا المسلم صادقة خالصة لوجه الله الكريم ، وكان عملُه يدل على ذلك . وهل أفضل من أن يكون المسلم في خدمة إخوانه يهتم بأمنهم وسلامتهم؟!
لقد مرّ بغصن شجرة على ظهر طريق ، أشواكُه تؤذي المسلمين ، يمر أحدهم دون أن ينتبه ، فيخمشه الغصن ، أو تلسعه أشواكُه ، أو تمزّق ثيابه ، أو ينتبه له ، فيتنحّى إلى زاوية ضيقة ، ولعلّ وراء الغصن حشرة سامّةٌ ، أو فوقه تغتنم دُنُوّه منها ، فتلسعه .
فكّر في كل هذا ، فعمد إلى الغصن ،فقطعه ، وحمله بعيداً عن الطريق ِ طريق ِ المسلمين . فاستحق بذلك رحمة الله تعالى ، ورضوانه وجنّةَ الخلدونعيمها .
رواه مسلم
- إنه شفيعُنا: صلى الله عليه وسلم –
دكتور عثمان قدري مكانسي
قال التلميذ لأستاذه : ما يفعل الله بالناس يوم الحشر؟
قال الأستاذ :
يجمع الله تعالى الناس ومعهم الجنوالحيوان والطير ، وتحيط بهم الملائكة ، وتقترب الشمس منهم قدْر ميل .
قال التلميذ : وهل يتحملون ذلك الحرّ يا أستاذ ؟!
قال الأستاذ :
الناس هنالك على قدر إيمانهم وأعمالهم . فمنهم من يصل عَرَقـُهإلى كعبيه ، ومنهم إلى ركبتيه ، ومنهم من يصل العرق إلى صرته ، ومنهم إلى أثدائهم ، ويصل العرق ببعضهم إلى فمه ، يكاد يُغرقـُه .
قال التلميذ : أهنالك يحاسبهم الله على أعمالهم ؟
قال الأستاذ :
لا ؛ إن يوم القيامة مواقف ، والحشر انتظار يطول على الكافر والعاصي ، أما المؤمن فإن الله يُظله تحت ظله ، يوم لا ظلّ إلا ظلُه .
قال التلميذ : ماذا يفعل الناس بهذا الموقف ؟
قال الأستاذ :
يشتدّ على الكافرين ما هم عليه ، ويحسبون أنه العذاب الشديد . فيدعون ربّهم أن يخلصهم منه ولو إلى جهنّم.
قال التلميذ : وهل العذاب في جهنّم أقل سوءاً؟! .
قال الأستاذ :
بل أشد بكثير ، إنما طول الموقف وشدّتُه عليهم يدفعهم إلى التعوّذ منهوالتخلّص من بلواه ، ولو إلى ما هو أشدّ منه .
قال التلميذ : ما يفعل المؤمنون في ذلك اليوم العصيب؟.
قال الأستاذ :
إنهم أيضاً يرجون الخلاص منه حين يقربهم الله تعالى إلى الجنة فيرونهاويرجونها مشتاقين إليها .
قال التلميذ : فماذا يفعلون إذاً ؟ .
قال الأستاذ : يذهبون إلى أبيهم آدم يستشفعون به عند ربهم ، ليفتح لهم الجنّة .
قال التلميذ : فهل يفعل آدم ذلك ؟
قال الأستاذ :
يقول آدم : أتريدون دخول الجنة بشفاعة أبيكم ، وهو الذي أخرجكم منهاحين عصى أمر ربه فأكل من الشجرة ؟! .. لست صاحب التشريف بهذا المقام المنيف ، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله ، فلعله يشفع لكم عند ربكم .
قال التلميذ : فهل يذهبون إلى إبراهيم ، فيجيبهم ويشفع لهم ؟
قال الأستاذ :
يذهبون إليه حقاً ، ويقولون : يا خليل الله استفتح لنا الجنة ، فيقول : معتذراًلست صاحب تلك الدرجة الرفيعة التيتؤهلني لما تطلبون . .. يقولون : ولكنّك خليل الله ؛ ألم يرفع ربك مقامك حين قال : " واتخذ الله إبراهيم خليلاً " ؟! .. فيقول : بلى : كنت لله خليلاً ، ولكنه سبحانه لم يكلمني ولم أره . إنما كان ذلك عن طريق سفيره جبريل .
يقولون : فماذا نفعل ، وإلى من نذهبُ؟ .. فيقول إبراهيم الخليل : اعمدوا إلى موسى ، فقد كلمه الله تكليماً دون وساطة ، واصطفاه على الناس برسالاته وبكلامه ، فأنا وراءهفي المنزلة ، ووراءَ منْ وراءه .
قال التلميذ : وهل يذهبون إلى موسى ، ويسألونه أن يشفع لهم بدخول الجنّة ؟ .
قال الأستاذ : لقد ذهبوا ، وسألوه الشفاعة ، وذكّروه بمكانه من الله تعالى .
قال التلميذ : فبم أجابهم ؟ هل شفع فيهم عند الله تعالى ؟
قال الأستاذ :
أجابهم بما أجابهم به من قبلُ آدمُ وإبراهيمُ : لست بذلك المقام الذي يؤهلني لما طلبتم ، فاذهبوا إلى عيسى بن مريم ، فإن كان الله قد كلّمني فهو كلمته ألقاها إلى مريم ،وروح منه.
قال التلميذ : فما تقصد - يا أستاذ –من قول موسى : إن عيسى كلمة الله وروح منه؟ .
قال الأستاذ :
أما كلمته فقد أوجده دون أب بكلمة" كن " وهذا أمر بديع عجيب . خالف فيه سبحانه سنّتَه ليكون عيسى حجةالله على عباده ، كما جعله يتكلم وليداً .
وأما روحُه فقد جعله ذا روح وحياة دونماء يجري في رحم أمه ، وأحيا به الموتى فكلموا الناس .
قال التلميذ : فهل يتوسط لهم ، ويسأل الله تعالى أن يفتح لهم الجنّة ، وينقذهم من شدّة الموقف؟
قال الأستاذ : لا ؛ إنما يجيبهم بما قاله لهم آدم وإبراهيم وموسى : لست أهلاً لتلك الدرجة الرفيعة ، إنها ليست لي .
قال التلميذ : فإلى أين يذهبون ؟ وعلى من يُعَوّلون ؟
قال الأستاذ :
وهل هناك غير رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ؟ لقد دلّهم عليه عيسى عليه السلام قائلاً : إنه الشفيع المشفـّع ، صاحب لواء الحمدوالمكانة السامية التي لا يرقى إليهاأحد . إنه من كلم الله في السموات العلا حين عرج إليها ، ورأى نوره سبحانه ، فأين الأنبياء منه ، وإن عَلَوا ، والمرسلون ، وإن سَمَوا ؟!
قال التلميذ :
فماذا يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يذهبون إليه ، يستشفعون به ، ويستفتحونه ؟ .
قال الأستاذ : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا لها ، أنا لها .
وينطلق إلى مقدمة العرش ، ويسجد لله سبحانه ، ويفتح الله تعالى عليه بمحامد يحمد بها الله تعالى ، لم يفتح عليه بها من قبل . يقول سبحانه وتعالى : قم ؛ يا محمد ؛ واشفع تُشَفع ، وسل تعطه ، واطلبيُستجب لك .
قال التلميذ : يا أستاذي الكريم ؛ لِمَ لمْ يدلهم الأنبياء عليه ابتداءً ؟.
قال الأستاذ :
أحسنت يا بني ، إنك لبيب أريب ، سألتَ سؤالاً يدل على ذكاء وبُعد نظر ، إن تعليل ذلك من جوانب عِدّة ، منها:
أولاً : أن الموقف عظيم ، وأنهم – وإنكانوا أنبياء ورسلاً عظاماً – فلكل درجته ومقامه الذي يقف عنده لا يتعدّاه .
ثانياً : أن كل واحد منهم حين يقدّم غيره إنما يُظهر فضله وعلوّ مكانته بما اختصّه الله به .
ثالثاً : أن الحكمة في إلهام الناس سؤالَ آدم والبدء به ، ثم الانتقال إلى مَن بعدَه ، واعتذار كل منهم بأنه ليس أهلاً لذلك إظهارُ كمال شرفه صلى الله عليه وسلم على سائر الرسل . إذ لو جاء الناس إليه أوّلاً ، وأجابهم ، وشفع فيهم ، لم يظهر كمال التمييز . إذ كان احتمال أن هذا الأمر له ولغيره من الرسل . فلما تأخر كلٌّ عن ذلك ، وتقدم هو له عُلم أنه السيّد المقدَّم صلى الله عليه وسلم .
رابعاً : ويُحتمل أنهم علموا أن صاحب الشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ، فتكون إحالة كل واحد منهم على الآخر على سبيل التدريج إليه ، وإظهارفضله .
خامساً : أن الأخير وإن كان أفضل فمن الخير تقديم الأجداد والآباء على الأبناء.
سادساً : لإظهار أهمية الموقف وفضل الشفاعة ، فإن الناس لو نالوها مباشرة لم تظهر أهميتُها وعظيمُ أثرها .
قال التلميذ : إيهِ يا أستاذي الكريم ؛ إني لمتشوق لمعرفة ما يحصل بعد ذلك .
قال الأستاذ : حينئذ يرفع الرسول الكريم رأسه ويسأل الله تعالى أن يجوز الناس الصراط إلى الجنة.
قال التلميذ : وما الصراط يا استاذي ،وما أهمية ذلك ؟
قال الأستاذ :
إنه الجسر الذي ينصب فوق جهنم يقطعه الناس إلى الجنة ، فأما من ثقلت موازينه فقد أفلح ، وأما من خفتموازينه فقد سقط في جهنم ، والعياذ بالله .
قال التلميذ : فكيف يجوزه الناس يا أستاذ ؟
قال الأستاذ : حين يُنصب الصراط تقف الأمانة عن يمينه ؛ والرحم عن يساره – لعظم أمرهما وكبير أثرهما – يُصَوّران شخصين على الصفة التييريدها الله تعالى ... فمن أدّى الأمانة إلى أهلها ، وكان عفّ اللسان ، طاهر القلب ، نقيّ السريرة ، يؤدي فرائضه ، ويعمل بما أمر الله تعالى ، وينتهي عن نواهيه ، يعين على نوائب الحق ، ويساعد المحتاجين ، ويكف أذاه عن الناس . ومن كان يصل رحمه فبرّ أباه وأمه ، وأحسن إلى إخوته وأهله وعشيرته ، وعفا عمّن ظلمه ، ووصل حبال من قطعه جاز الصراط ، ووصل إلى الجنّة . ومن كانخلاف ذلك هوى في نار جهنم .. نسأل الله العافية .
قال التلميذ : فكيف يمرّ الناس على الصراط؟
قال الأستاذ :
أحسنتَ يا بني في سؤالك هذا ... يمر الناس على الصراط حسب أعمالهم ، فمن كان وليا لله ، مقيماً لشعائر دينه ، مجاهداً في سبيل الله ، باع الدنيا ، واشترى الآخرةجاز الصراط كالبرق – طرفة عين – وهؤلاء هم الصفوة المختارة الذين يمرون دون أن يشعروا أنهم مروا لسرعتهم . فما أكرمهم على الله ؟!.. ثم تأتي الفرقة الثانية ، فيمرونعلى الصراط سرعةَ الريح ... ثم تأتي الفرقة الثالثة ، فيمرون على الصراط سرعةَ الطير ... ثم تقل المراتب والأعمال ، فيكون المرور على الصراط مناسباً لأعمالهم .
قال التلميذ : وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذاك ؟
قال الأستاذ : إنه عليه الصلاة والسلام قائم على الصراط يدعو الله النجاة لأمته قائلاً : ربِّ سلّمْ سلّمْ ، والأنبياء تقول مثل هذا همساً . لهول الموقف وشدّة وطأته . حتى تعجز أعمال العباد .
قال التلميذ : فماذا بعدُ يا أستاذُ ، أرجو أن توضح أكثر .
قال الأستاذ : لا يبقى سوى العاصين، وعلى جانبي الصراط كلاليب من حديدمعقوفة الرأس ، فمن كان قليل العصيان سار سيراً حثيثاً ، ولربما أصيب بأذىً ، فخدشته الكلاليب ، لكنه ينجو من النار ولهيبها . ومنهم من يكون بطيئاً في سيره ، وبعضهم لكثرة ذنوبه لا يستطيع السير إلا زحفاً والكلاليب تأكل من جسمه وتزعزع أركانه، لكنّ الله ينجيه ، فهي لا تعلق إلا بمن أُمرت به ، فتلقيه في أتون جهنم .
أما الجبابرة والمتغطرسون من أمة الإسلام فتلقي بهم الكلاليب في قعر جهنم والعياذ بالله .. أتدري متى يصل الذي تعلق به الكلاليب فتكردسه إلى قعرها ؟! بعد سبعين سنة من سنواتنا هذه ، نسأل الله العافية .
أما الكفار فيُؤخذون مكبلين إلى جهنمليخلدوا فيها أبد الآبدين ....
قال الأستاذ والتلميذ :
اللهم إنا نسألك الجنة ، وما قرّب إليها من قول أو عمل ،
ونعوذ بك من النار ، وما قرّب إليها من قول أو عمل .
اللهم ارحمنا ، فإنك بنا راحم ، ولا تعذبنا ، فإنك علينا قادر .
رواه مسلم
المشهد الأول :
انتصف النهار ، واشتدّت حرارة الشمس ، كان الهواء ساكناً سكوناً عجيباً غابت فيه النسمة ، فازدادت مشقة الطريق ، كان وحده يمشي ، يتقاطر جبينه عرقاً ، وينبثق من مسام جلده ، فتمتصه ثيابه حتى بدت مبللة تكاد تُعصر...
شعر بالعطش الشديد ، ولكن أين الماء ؟ لم يبق معه منه شيء... حرّك قِربته ، فلم يسمع ارتطام الماء فيها ، وضع فوّهتها على فيه فلم تبِضّ بقطرة ... بدا لعابه يقِل ، وفمه يجف ، وشفتاه تتشققان...
بحث حوله فهُيّئ له أن رأى ماءً ... فلما قصده لقيه سراباً .. بدأت عيناه تريه كل شيء أمامه أنهاراً سَرعان ما تتبخر حين يُسرع إليها ... سأل الله حُسْن الختام ... وحين كاد يسقط على الأرض رأى على مدىً قصير منه حافة بئر ... يا ألله ؛ أحقاً ما يراه أم هو يتخيّل ؟
شد عزمه ، وبادر بخطاً ثقيلة نحوه... وصله وأطلّ عليه فرأى صورته . ورمى فيه حجراً فأسمعه صوت ارتطامه بالماء ... نزل وشعر بالبرودة تدغدغ جسمه ... لقد وصل إلى الماء ... ووضع فمه على صفحته ، وعبّ منه كثيراً حتى ارتوى ...
لم يشعر بعد ذلك بشيء ... أمَرّ عليهوقتٌ طويل وهو نائم ؟ إنه لا يدري... لكنه أحسّ بالعافية تسري في بدنه ، لقد عادت إليه الحياة " وجعلنا من الماء كل شيء حيّ " .. وقبل أن يخرج من البئر شرب كثيراً حتى كاد الماء يخرج من عينيه وأذنيه وأصابع يديه !! لكنه كان قد رمى قربته فيالطريق فأضاع فائدة كبيرة .
لم يبتعد عن البئر كثيراً حين رأى كلباًيلهث ، يأكل الثرى من العطش ، إنه قرب الماء ، لكنْ لا يستطيع النزول إلى البئر . .. لقد بلغ العطشُ بالكلب مثل الذي كان بلغ منه ، فأخذته الرأفة ، وهمّ أن يسقيه ، فماذا يفعل ؟! إن الكلب لا يستطيع النزول إلى الماء ، وليس معه قربته أو إداوته ، ليس معه شيء يحمل فيه الماء ليسقي الكلب العطشان . يجب أن يسقيه ، فماذا يفعل ؟
هداه تفكيره بل هداه الله تعالى حين رأى رحمته بالحيوان إلى أن ينزل البئر ، فيخلع حذاءه ويملأه ماءً ويحمله بفمه ، ويصعد، فيسقي الكلب . ... أعاد ذلك مرات ، حتى رأى ذلك الحيوانَ الأعجم ينصرف عنه مبتعداًوينظر إليه نظرات ملؤها الاعتراف بالجميل والفضل والشكر الجزيل ... فقد أنقذه من الموت .
حمد الرجل ربه لنفسه ، وحمِده لهذا الحيوان ، ... ولم يكن الله سبحانه غافلاً عما فعله الرجل ، فأكرمه غاية الإكرام ، ورحمه واسع الرحمة ..
أتدرون كيف رحمه وكافأه؟ لقد أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن الله غفر له كل ذنوبه ، وأدخله الجنة دون حساب .
يا ألله ، يا ألله ، يا ألله ؛ أنت الرحمنالرحيم .. اغفر لنا ذنوبنا ، وعافنا واعف عنا . يـــارب .
متفق عليه
المشهد الثاني :
إنه مسلم يحب الخير لإخوانه في العقيدة ، ويرجو لهم السلامة ، ويسألالله من كل قلبه أن يحيا المسلمونفي أمن وأمان ، لا يعكر صفوَهم كدرٌ ، ولا يَشوب حياتهم شائبةٌ ، فالمجتمع المسلم حين يكون متحابّاً متآلفاً ولُحمة واحدةً يكون قوياً متماسكاً ...
لقد رآه الرسول صلى الله عليه وسلمفي الجنة ، ولمّا يعملْ بعدُ العملَ الذي يؤهلُه أن يكون هناك في رَبَضِها ، وفي رحمة الله وفضله ، ينعم فيها بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلب بشر .
بلى إن الله تعالى يُدخل المسلم الجنة على عمله الخالص ولو كان قليلاً ، بل إنه يدخله الجنة على نيّتة الخالصة الصادقة ، ولمّا يعملْ بها .
وكانت نيّة هذا المسلم صادقة خالصة لوجه الله الكريم ، وكان عملُه يدل على ذلك . وهل أفضل من أن يكون المسلم في خدمة إخوانه يهتم بأمنهم وسلامتهم؟!
لقد مرّ بغصن شجرة على ظهر طريق ، أشواكُه تؤذي المسلمين ، يمر أحدهم دون أن ينتبه ، فيخمشه الغصن ، أو تلسعه أشواكُه ، أو تمزّق ثيابه ، أو ينتبه له ، فيتنحّى إلى زاوية ضيقة ، ولعلّ وراء الغصن حشرة سامّةٌ ، أو فوقه تغتنم دُنُوّه منها ، فتلسعه .
فكّر في كل هذا ، فعمد إلى الغصن ،فقطعه ، وحمله بعيداً عن الطريق ِ طريق ِ المسلمين . فاستحق بذلك رحمة الله تعالى ، ورضوانه وجنّةَ الخلدونعيمها .
رواه مسلم
- إنه شفيعُنا: صلى الله عليه وسلم –
دكتور عثمان قدري مكانسي
قال التلميذ لأستاذه : ما يفعل الله بالناس يوم الحشر؟
قال الأستاذ :
يجمع الله تعالى الناس ومعهم الجنوالحيوان والطير ، وتحيط بهم الملائكة ، وتقترب الشمس منهم قدْر ميل .
قال التلميذ : وهل يتحملون ذلك الحرّ يا أستاذ ؟!
قال الأستاذ :
الناس هنالك على قدر إيمانهم وأعمالهم . فمنهم من يصل عَرَقـُهإلى كعبيه ، ومنهم إلى ركبتيه ، ومنهم من يصل العرق إلى صرته ، ومنهم إلى أثدائهم ، ويصل العرق ببعضهم إلى فمه ، يكاد يُغرقـُه .
قال التلميذ : أهنالك يحاسبهم الله على أعمالهم ؟
قال الأستاذ :
لا ؛ إن يوم القيامة مواقف ، والحشر انتظار يطول على الكافر والعاصي ، أما المؤمن فإن الله يُظله تحت ظله ، يوم لا ظلّ إلا ظلُه .
قال التلميذ : ماذا يفعل الناس بهذا الموقف ؟
قال الأستاذ :
يشتدّ على الكافرين ما هم عليه ، ويحسبون أنه العذاب الشديد . فيدعون ربّهم أن يخلصهم منه ولو إلى جهنّم.
قال التلميذ : وهل العذاب في جهنّم أقل سوءاً؟! .
قال الأستاذ :
بل أشد بكثير ، إنما طول الموقف وشدّتُه عليهم يدفعهم إلى التعوّذ منهوالتخلّص من بلواه ، ولو إلى ما هو أشدّ منه .
قال التلميذ : ما يفعل المؤمنون في ذلك اليوم العصيب؟.
قال الأستاذ :
إنهم أيضاً يرجون الخلاص منه حين يقربهم الله تعالى إلى الجنة فيرونهاويرجونها مشتاقين إليها .
قال التلميذ : فماذا يفعلون إذاً ؟ .
قال الأستاذ : يذهبون إلى أبيهم آدم يستشفعون به عند ربهم ، ليفتح لهم الجنّة .
قال التلميذ : فهل يفعل آدم ذلك ؟
قال الأستاذ :
يقول آدم : أتريدون دخول الجنة بشفاعة أبيكم ، وهو الذي أخرجكم منهاحين عصى أمر ربه فأكل من الشجرة ؟! .. لست صاحب التشريف بهذا المقام المنيف ، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله ، فلعله يشفع لكم عند ربكم .
قال التلميذ : فهل يذهبون إلى إبراهيم ، فيجيبهم ويشفع لهم ؟
قال الأستاذ :
يذهبون إليه حقاً ، ويقولون : يا خليل الله استفتح لنا الجنة ، فيقول : معتذراًلست صاحب تلك الدرجة الرفيعة التيتؤهلني لما تطلبون . .. يقولون : ولكنّك خليل الله ؛ ألم يرفع ربك مقامك حين قال : " واتخذ الله إبراهيم خليلاً " ؟! .. فيقول : بلى : كنت لله خليلاً ، ولكنه سبحانه لم يكلمني ولم أره . إنما كان ذلك عن طريق سفيره جبريل .
يقولون : فماذا نفعل ، وإلى من نذهبُ؟ .. فيقول إبراهيم الخليل : اعمدوا إلى موسى ، فقد كلمه الله تكليماً دون وساطة ، واصطفاه على الناس برسالاته وبكلامه ، فأنا وراءهفي المنزلة ، ووراءَ منْ وراءه .
قال التلميذ : وهل يذهبون إلى موسى ، ويسألونه أن يشفع لهم بدخول الجنّة ؟ .
قال الأستاذ : لقد ذهبوا ، وسألوه الشفاعة ، وذكّروه بمكانه من الله تعالى .
قال التلميذ : فبم أجابهم ؟ هل شفع فيهم عند الله تعالى ؟
قال الأستاذ :
أجابهم بما أجابهم به من قبلُ آدمُ وإبراهيمُ : لست بذلك المقام الذي يؤهلني لما طلبتم ، فاذهبوا إلى عيسى بن مريم ، فإن كان الله قد كلّمني فهو كلمته ألقاها إلى مريم ،وروح منه.
قال التلميذ : فما تقصد - يا أستاذ –من قول موسى : إن عيسى كلمة الله وروح منه؟ .
قال الأستاذ :
أما كلمته فقد أوجده دون أب بكلمة" كن " وهذا أمر بديع عجيب . خالف فيه سبحانه سنّتَه ليكون عيسى حجةالله على عباده ، كما جعله يتكلم وليداً .
وأما روحُه فقد جعله ذا روح وحياة دونماء يجري في رحم أمه ، وأحيا به الموتى فكلموا الناس .
قال التلميذ : فهل يتوسط لهم ، ويسأل الله تعالى أن يفتح لهم الجنّة ، وينقذهم من شدّة الموقف؟
قال الأستاذ : لا ؛ إنما يجيبهم بما قاله لهم آدم وإبراهيم وموسى : لست أهلاً لتلك الدرجة الرفيعة ، إنها ليست لي .
قال التلميذ : فإلى أين يذهبون ؟ وعلى من يُعَوّلون ؟
قال الأستاذ :
وهل هناك غير رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ؟ لقد دلّهم عليه عيسى عليه السلام قائلاً : إنه الشفيع المشفـّع ، صاحب لواء الحمدوالمكانة السامية التي لا يرقى إليهاأحد . إنه من كلم الله في السموات العلا حين عرج إليها ، ورأى نوره سبحانه ، فأين الأنبياء منه ، وإن عَلَوا ، والمرسلون ، وإن سَمَوا ؟!
قال التلميذ :
فماذا يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يذهبون إليه ، يستشفعون به ، ويستفتحونه ؟ .
قال الأستاذ : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا لها ، أنا لها .
وينطلق إلى مقدمة العرش ، ويسجد لله سبحانه ، ويفتح الله تعالى عليه بمحامد يحمد بها الله تعالى ، لم يفتح عليه بها من قبل . يقول سبحانه وتعالى : قم ؛ يا محمد ؛ واشفع تُشَفع ، وسل تعطه ، واطلبيُستجب لك .
قال التلميذ : يا أستاذي الكريم ؛ لِمَ لمْ يدلهم الأنبياء عليه ابتداءً ؟.
قال الأستاذ :
أحسنت يا بني ، إنك لبيب أريب ، سألتَ سؤالاً يدل على ذكاء وبُعد نظر ، إن تعليل ذلك من جوانب عِدّة ، منها:
أولاً : أن الموقف عظيم ، وأنهم – وإنكانوا أنبياء ورسلاً عظاماً – فلكل درجته ومقامه الذي يقف عنده لا يتعدّاه .
ثانياً : أن كل واحد منهم حين يقدّم غيره إنما يُظهر فضله وعلوّ مكانته بما اختصّه الله به .
ثالثاً : أن الحكمة في إلهام الناس سؤالَ آدم والبدء به ، ثم الانتقال إلى مَن بعدَه ، واعتذار كل منهم بأنه ليس أهلاً لذلك إظهارُ كمال شرفه صلى الله عليه وسلم على سائر الرسل . إذ لو جاء الناس إليه أوّلاً ، وأجابهم ، وشفع فيهم ، لم يظهر كمال التمييز . إذ كان احتمال أن هذا الأمر له ولغيره من الرسل . فلما تأخر كلٌّ عن ذلك ، وتقدم هو له عُلم أنه السيّد المقدَّم صلى الله عليه وسلم .
رابعاً : ويُحتمل أنهم علموا أن صاحب الشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ، فتكون إحالة كل واحد منهم على الآخر على سبيل التدريج إليه ، وإظهارفضله .
خامساً : أن الأخير وإن كان أفضل فمن الخير تقديم الأجداد والآباء على الأبناء.
سادساً : لإظهار أهمية الموقف وفضل الشفاعة ، فإن الناس لو نالوها مباشرة لم تظهر أهميتُها وعظيمُ أثرها .
قال التلميذ : إيهِ يا أستاذي الكريم ؛ إني لمتشوق لمعرفة ما يحصل بعد ذلك .
قال الأستاذ : حينئذ يرفع الرسول الكريم رأسه ويسأل الله تعالى أن يجوز الناس الصراط إلى الجنة.
قال التلميذ : وما الصراط يا استاذي ،وما أهمية ذلك ؟
قال الأستاذ :
إنه الجسر الذي ينصب فوق جهنم يقطعه الناس إلى الجنة ، فأما من ثقلت موازينه فقد أفلح ، وأما من خفتموازينه فقد سقط في جهنم ، والعياذ بالله .
قال التلميذ : فكيف يجوزه الناس يا أستاذ ؟
قال الأستاذ : حين يُنصب الصراط تقف الأمانة عن يمينه ؛ والرحم عن يساره – لعظم أمرهما وكبير أثرهما – يُصَوّران شخصين على الصفة التييريدها الله تعالى ... فمن أدّى الأمانة إلى أهلها ، وكان عفّ اللسان ، طاهر القلب ، نقيّ السريرة ، يؤدي فرائضه ، ويعمل بما أمر الله تعالى ، وينتهي عن نواهيه ، يعين على نوائب الحق ، ويساعد المحتاجين ، ويكف أذاه عن الناس . ومن كان يصل رحمه فبرّ أباه وأمه ، وأحسن إلى إخوته وأهله وعشيرته ، وعفا عمّن ظلمه ، ووصل حبال من قطعه جاز الصراط ، ووصل إلى الجنّة . ومن كانخلاف ذلك هوى في نار جهنم .. نسأل الله العافية .
قال التلميذ : فكيف يمرّ الناس على الصراط؟
قال الأستاذ :
أحسنتَ يا بني في سؤالك هذا ... يمر الناس على الصراط حسب أعمالهم ، فمن كان وليا لله ، مقيماً لشعائر دينه ، مجاهداً في سبيل الله ، باع الدنيا ، واشترى الآخرةجاز الصراط كالبرق – طرفة عين – وهؤلاء هم الصفوة المختارة الذين يمرون دون أن يشعروا أنهم مروا لسرعتهم . فما أكرمهم على الله ؟!.. ثم تأتي الفرقة الثانية ، فيمرونعلى الصراط سرعةَ الريح ... ثم تأتي الفرقة الثالثة ، فيمرون على الصراط سرعةَ الطير ... ثم تقل المراتب والأعمال ، فيكون المرور على الصراط مناسباً لأعمالهم .
قال التلميذ : وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذاك ؟
قال الأستاذ : إنه عليه الصلاة والسلام قائم على الصراط يدعو الله النجاة لأمته قائلاً : ربِّ سلّمْ سلّمْ ، والأنبياء تقول مثل هذا همساً . لهول الموقف وشدّة وطأته . حتى تعجز أعمال العباد .
قال التلميذ : فماذا بعدُ يا أستاذُ ، أرجو أن توضح أكثر .
قال الأستاذ : لا يبقى سوى العاصين، وعلى جانبي الصراط كلاليب من حديدمعقوفة الرأس ، فمن كان قليل العصيان سار سيراً حثيثاً ، ولربما أصيب بأذىً ، فخدشته الكلاليب ، لكنه ينجو من النار ولهيبها . ومنهم من يكون بطيئاً في سيره ، وبعضهم لكثرة ذنوبه لا يستطيع السير إلا زحفاً والكلاليب تأكل من جسمه وتزعزع أركانه، لكنّ الله ينجيه ، فهي لا تعلق إلا بمن أُمرت به ، فتلقيه في أتون جهنم .
أما الجبابرة والمتغطرسون من أمة الإسلام فتلقي بهم الكلاليب في قعر جهنم والعياذ بالله .. أتدري متى يصل الذي تعلق به الكلاليب فتكردسه إلى قعرها ؟! بعد سبعين سنة من سنواتنا هذه ، نسأل الله العافية .
أما الكفار فيُؤخذون مكبلين إلى جهنمليخلدوا فيها أبد الآبدين ....
قال الأستاذ والتلميذ :
اللهم إنا نسألك الجنة ، وما قرّب إليها من قول أو عمل ،
ونعوذ بك من النار ، وما قرّب إليها من قول أو عمل .
اللهم ارحمنا ، فإنك بنا راحم ، ولا تعذبنا ، فإنك علينا قادر .
رواه مسلم
الأربعاء مايو 01, 2013 1:51 pm من طرف mesc
» 7 نصائح تطور علاقتك بطفلك
الأربعاء مايو 01, 2013 1:50 pm من طرف mesc
» استانس وارتاح
السبت فبراير 02, 2013 5:35 pm من طرف Admin
» أقرءها للنهاية
الخميس يناير 24, 2013 5:17 pm من طرف غطرسه
» ما احتاج فهمه كي اعيش (2)
السبت يناير 12, 2013 3:21 pm من طرف فتى قريش
» بقلمي المتواضع
الجمعة يناير 11, 2013 4:55 am من طرف غطرسه
» المجموعه الأولى
الأربعاء يناير 09, 2013 1:46 pm من طرف فتى قريش
» وقفة تأمل......
الأربعاء يناير 09, 2013 12:51 pm من طرف فتى قريش
» المجموعة الأولى
الأربعاء يناير 09, 2013 12:17 pm من طرف فتى قريش